أثار تدهور الحالة الصحية للرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، من أيام معدودة، الشكوك حول استمراره في منصبه، خصوصًا مع وصول وضعه الصحي إلى مرحلة "حرجة"، كما وصفه مسؤولون، إلى جانب كبر سنه (92 عامًا)، مما يزيد من هذه الشكوك، ويجعل استكمال ولايته أمرًا محل شك، إن تحسنت صحته في الساعات الأخيرة.
ومع اقتراب نهاية ولايته الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المُقبل، بعد مرور خمسة أعوام على انطلاقها، ترتفع حظوظ مُرشحين مُنافسيين حاولوا طرح أنفسهم خلفاء مُحتملين للسبسي، ساعين لتعزيز حظوظهم بنسج تحالفات سياسية، وتنظيم جولات لتقديم أنفسهم.
فما الذي ينتظر تونس، ومن هم هؤلاء المرشحون، وما هي حظوظهم؟ التقرير التالي يحاول الإجابة عن ذلك.
ما المسار الذي ينتظر تونس حال عدم استكمال السبسي ولايته؟
يطرح سيناريو عدم استكمال السبسي ولايته الرئاسية، والتي تنتهي في نوفمبر المُقبل كما أسلفنا، سواء لعدم قدرته على إدارة شئون البلاد أو وفاته؛ مسارات بديلة، تحاول التعامل مع حالة فراغ مؤقت أو دائم في منصب رئيس الجمهورية.
ويُلزم الدستور التونسي حال الفراغ المؤقت، انعقاد اجتماع عاجل للمحكمة الدستورية لاختيار بديل، وهو المسار الذي لن يكون متحققًا؛ كون المحكمة لم تتشكل هيئتها من جانب أعضاء البرلمان منذ عام 2011، المسؤول عن انتخاب أعضائها.
بانتفاء مسار اجتماع هيئة المحكمة الدستورية، يستوجب المسار الثاني تعيين رئيس الحكومة رئيسًا مؤقتًا للبلاد، والذي سيكون في هذه الحالة يوسف الشاهد، استنادًا للمادة 82 من الدستور، التي تنص على أن "لرئيس الجمهورية إذا تعذّر عليه القيام بمهامه بصفة وقتية أن يفوض سلطاته إلى رئيس الحكومة لمدة لا تزيد عن 60 يومًا".
وفي هذه الحالة؛ يظل الشاهد في منصب الرئيس المؤقت لمدة 30 يومًا، يحق له التجديد لفترة واحدة مماثلة فقط، لحين عودة الرئيس الفعلي لمنصبه.
بينما يُشكل المسار الآخر، الذي يفترض الفراغ الدائم للمنصب حال الوفاة أو وقوع عجز دائم يعوق استكمال مدته الرئاسية؛ اختيار رئيس مجلس النواب، محمد الناصر (85 عامًا)، رئيس مؤقت للبلاد، استنادًا للفصل 84 من الدستور التونسي.
ويظل الناصر في هذا المنصب، فترة تتراوح بين 45 و90 يومًا، يستوجب عليه خلالها الدعوة للانتخابات. على أن يمتنع الرئيس المؤقت -سواء كان رئيس الحكومة أو البرلمان عن المساس بتعديل الدستور-، أو حل البرلمان أو تنظيم استفتاء، أو تقديم لائحة لوم ضد الحكومة.
على جانب آخر؛ يفصل السبسي عن منصب الرئيس شهور معدودة، لن يترشح بعدها (في حال تحسنت صحته)، كما تعهد في أبريل (نيسان) الماضي، أمام حزبه، بهدف إفساح المجال أمام الشباب، على حد تعبيره.
ويُعد السبسي الذي قال "بكل صراحة، لا أرغب في الترشح" لأنه "لا بد من فسح المجال للشباب"، وسط صيحات أعضاء الحزب الذي أسسه؛ بهتافات "الشعب يريد السبسي من جديد"، أول رئيس للبلاد ينتخب ديمقراطيًّا، وذلك عام 2014.
ومع اقتراب انعقاد الانتخابات الرئاسية المُقررة في 17 نوفمبر المقبل، والتي قد يتقدم موعدها حال تخلى السبسي عن منصب الرئاسة، برزت وجوه مُرشحين مُحتملين، طرحوا أنفسهم خلفاء مُحتملين للسبسي، من بينهم من أعلن ترشحه بشكل رسمي.
في السطور التالية استعرض أبرز هذه الأسماء، استنادًا لمواقف بعضهم، ومقابلات مع صحافيين تونسيين.
محمد عبو.. سجين نظام بن علي
هو المحامي محمد عبو، من معارضي نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وأحد قيادات "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية"، الذي كان يرأسه منصف المرزوقي.
سُجن عبو أيام بن علي بسبب مقال شبه فيه بن علي بشارون، وهو حاليًا على رأس "حزب التيار الديمقراطي" ويتمتع بحظوظ وافرة، ويُعد أحد ركائز حزبه في مقاومة الفساد.
قيس سعيد.. الأستاذ الجامعي "نظيف اليد"
أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، الذي لا ينتمي لأي حزب سياسي ويتمتع بحظوظ وافرة لأنه يعرف بـ"نظافة اليد"، فضلاً عن كونه "شخصًا ذي مبادئ وضد قانون المساواة في الميراث.. إنسان جدي لكنه لم يمارس السياسة من قبل.
ودرّس أستاذ القانون الدستوري في العديد من الجامعات التونسية، وأدار قسم القانون العام بـ"كلية الحقوق" بسوسة بين 1994 و1999، وكان ضمن فريق الخبراء للأمانة العامة لـ"جامعة الدول العربية" الذي أعد ميثاق الجامعة العربية، وبرز صيته بعد الثورة وكانت له إسهامات في صياغة الدستور.
نبيل قروي.. مالك الفضائيات
نبيل قروي صاحب قناة نسمة وجمعية خليل التي يحاول من خلالها كسب ود الفئة الشعبية الضعيفة، وقد أسس منذ أسبوع حزبًا اسمه "قلب تونس"، بينما أطلق على جمعيته اسمها "خليل تونس"، وهو اسم ابنه الذي توفي منذ ثلاث سنوات في حادث مرور.
ويُشكل التنقيح المُحتمل للقانون الانتخابي عائقًا قد يمنعه من الترشح، إذ سبق للبرلمان التونسي إقرار قانون الانتخاب المثير للجدل، والذي نص على منع كل يملك جمعية خيرية من الترشح للانتخابات "خوفًا من المال الأجنبي والمساعدات الخيرية".
ويستمد القروي قوته من "الآلة الإعلامية التي يمتلكها" فهو صاحب قناة فضائية ومؤسسة للإنتاج والإشهار، بالإضافة إلى خطابه الشعبوي ورئاسته لجمعية خيرية.
عبير موسي.. عدوة الربيع العربي
محامية ورئيسة الحزب الدستوري الحر، ويُشكل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبية، مرجعيتها السياسية، وتُعد من بقايا النظام السابق، إذ كانت على رأس الفرع الشبابي لـ"التجمع الدستوري الديمقراطي" وهو حزب بن علي.
وتتمتع موسى بحظوظ وافرة رغم العداء الذي يكنه لها العديد من أبناء الشعب التونسي، إذ تمثل العودة إلى المربع الأول وانتكاسة الثورة. واضطلعت السيدة عبير موسي بعدة مسؤوليات منها مساعدة رئيس بلدية أريانة، ورئيسة لجنة النزاعات وعضوة "المنتدى الوطني للمحامين التجمعيين"، إضافة إلى مسؤولية الكتابة العامة للجمعية التونسية لضحايا الإرهاب.
يوسف الشاهد.. دعم خارجي وسيطرة على المؤسسات
هو رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، الذي أسس منذ شهور "حزب تحيا تونس"، وشغل منصب وزير التنمية المحلية في حكومة الحبيب الصيد بين 12 يناير (كانون الثاني) 2016 وتم ترشيحه لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية من قبل قائد السبسي.
وأعلن حزب "تحيا تونس"، الشهر الجاري، أنه تم انتخاب رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد رسميًا رئيسًا للحزب الذي أطلقه أنصاره، وذلك قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد.
ويوضح الشعبانية نقاط قوة الشاهد: "رئيس الحكومة الحالي يستمد قوته من توظيفه لموقعه ومؤسسات الدولة بالإضافة إلى ما يحظى به من دعم خارجي". ويؤكد أن أمر ترشح الشاهد ما زال غير واضح، لكنه يرى أنه الأقرب أن يترشح خاصة في ظل تنظيم انتخابات مبكرة.
ألفة رامبورغ.. داعمة الرئيس الفرنسي!
ألفة رامبورغ زوجة الميلياردير الفرنسي قيوم رامبورغ وصاحبة "جمعية عيش تونسي"، وتُعد حظوظها أقل من المُرشحين السابقين، وقد يمنعها تنقيح القانون الانتخابي إذا تمت المصادقة عليه من الترشح، كونها مؤسسة لجمعية تتلقي تمويلاً خارجيًا.
وُتعد ألفة أحد أبرز الداعمين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتدعم جمعيتها العديد من الأعمال الثقافية، وعددًا آخر من الأعمال في مجال الرقص والآداب والسينما والمسرح.
من المُرشح الأكثر حظًا؟
يقول الكاتب والإعلامي التونسي هادي يحمد، أنه: "من الصعب في الوقت الحالي معرفة المرشح الأكثر حظًا، فهناك نيات عديدة وإعلانات لترشح لرئاسة الجمهورية. الحقيقة أنه للآن ليس هناك إجماع داخل القوى الحداثية على مرشح معين يمكن أن يملأ كرسي الباجي في قرطاج".
ويُضيف: "ربما سنشهد مفاجآت الأيام الأخيرة. بمعنى تقدم شخصيات لا تحظى بالضرورة على الإجماع الكافي، فشخصيات من قبيل عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحرالمعادية الشرسة للإسلاميين يمكن أن يكون لها حظوظ. محمد عبو رئيس حزب التيار الديمقراطي" يمكن أن يكون له حظ أيضًا، وربما يكون محل توافق مع حركة النهضة علاوة على وجود مرشحين آخرين.
ويوضح سليماني الشعباني: "نعرف أن نداء تونس يعيش الانشقاق ولا مرشح أساسي مجمعًا عليه لحد الآن. الحقيقة نحن في انتظار التقديم الرسمي والنهائي للترشحات"، معتقدًا أن: منصب كرسي الرئاسة سوف يُحسم في الأيام القليلة قبل اليوم الموعود".
بينما يستبعد هادي يحمد دفع النهضة بمُرشح لها في الانتخابات المُقبلة، مرجحًا اكتفاءها بدعم مرشح مستقل. ويوضح هادي أنه من الأرجح أن لا تجازف النهضة بتقديم مرشح نهضاوي، لن يحظى مؤكدًا بالإجماع. وأن الأقرب لطريقة عمل الحركة، أن تُرشح الشخص الذي تتوفر فيه خصائص "التوافق"، أي عدم معاداة الحركة الإسلامية.
وحول المُرشح الذي يعتقد أنه سينال دعم "النهضة"، يعتقد هادي أن محمد عبو إن ترشح ومر إلى الدور الثاني، سيحظى بدعم النهضة، موضحًا أن النهضة حركة براغماتية، على حد تعبيره.
وبسؤاله: "هل دعم النهضة كاف لصعود المرشح لمنصب الرئيس؟"، يُجيب الهادي :"لا طبعًا؛ جمهور النهضة في الانتخابات السابقة لم يُمكِّن المرزوقي من الوصول إلى قرطاج مرة أخرى".
ويختتم هادي تصريحاته بالقول: "انتخابات الرئاسية القادمة، ستكون الأصعب في تاريخ الانتخابات بعد الثورة. الحداثيون مقسمون والنهضة لن تسطيع وحدها حسم المعركة الانتخابية".
المصدر: ساسة بوست
اضف تعليق